باسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله .
ان النظر العقلي و التفكر في ءايات الله المنشورة و المسطورة تسوق الصادق في الطلب الى الجزم بوجود خالق مدبر مبدع للكون و ما حوى . غير أن هذا المستوى من المعرفة لا يتجاوز أن يكون معرفة وجود . فهل هذا فحسب ما هو مطلوب من المؤمنين معرفته في صلتهم بالله ؟
لا شك أن هذا الأمر مطلوب لكن اقرار الشهادة يقتضي تبين معنى " أشهد " . فلو تأملت الكلمة فانك ستدرك أن معنى هذه الكلمة يتضمن " المعاينة و المشاهدة و الاستشعار ". لهذا جاء في حديث جبريل عليه السلام " ... الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ".
فما السبيل للارتقاء بالشهادة الى هذا المدرك ؟
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ان لله تسعة و تسعين اسما (مائة الا واحدا ) من أحصاها دخل الجنة ". فما معنى " أحصاها " ؟
هل يعني أن نحفظ رسمها ( لفظها ) فقط !
الواقع أن أسماء الله و صفاته كلها بلغت درجة الكمال المطلق و توزعت بين معاني الجمال و دلالات الجلال .
فأما صفات الجمال فواجب المؤمن معها " التخلق و التحقق " . فالله كريم حليم عفو رؤوف صبور شكور ...و على المؤمن أن يتخلق بالكرم و الحلم و العفو و الرأفة و الصبر و الشكر ...حتى يتحقق من مراتبها العليا . و هذا لا يعني أن الاشتراك في الصفة هو اشتراك في مداها. فكل يبذل على قدره .
و أما صفات الجلال فعلى المؤمن " التعلق " بها وذلك بأن يعيش صفاته هو فيستشعر أنه ضعيف فقير ذليل بين يدي ربه عز وجل ليعود الله عليه بصفاته فيقويه و يغنيه و يعزه .
و هكذا يصير العبد ربانيا يرى في كل شأن يد الله المبسوطة بالتدبير فيسلم أمره لله ليعيش معنى الاسلام ويرتقي في شعب الايمان حتى يحصل درجة الاحسان فيعبد الله كأنه يراه و يتحقق من حقيقة " أشهد أن لا اله الا الله " . و يعيش تجليات الأسماء و الصفات على قلبه يستشعر و يحس و يتذوق و يرغب و يرهب و يتلقى الواردات و الفيوضات .
" فأينما تولوا فثم وجه الله "
اللهم قربنا منك حتى نكون بك و لك ! ءامين . و الحمد لله رب العالمين .