راكبة الماء هي حشرات يمكنها أن تؤدي أعمالاً فذة ومذهلة بمهارة وبراعة وذكاء علي أسطح الماء، فهي تجثم علي أسطح البرك والأنهار البطيئة وكأنها علي سطح أرض صلبة. وكما يبين اسمها فإنها يمكنها أن تمر بخفة وسرعة بلا مبالاة عبر سطح الماء، تماماً مثلما يفعل من يمارس رياضة ركوب الأمواج فوق سلسلة من الأمواج المتتالية.
ولأنه بصدد الاستفادة منه في كثير من الأبحاث والدراسات العلمية المتعلقة بحياة الحشرات الطافية على الماء، قام «جون بوش» وزملاؤه في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا بمحاولة ابتكار جهاز ميكانيكي يمكنه أن يقوم بالأمر نفسه.
وكانت النتيجة راكب ماء آلي طوله 9 سنتيمترات، وهو نسخة مطابقة وتبدو بشكل مذهل مثل حشرة حقيقية (على الرغم من أنها أطول بحوالي تسع مرات). وقد تم تصميم الروبوت وصنعه من الألومنيوم والسلك الفولاذي الصلب، وتقويته بواسطة خيط مطاط وبكرة. ومثل حشرة راكب الماء الحقيقية فإن راكب الماء الآلي يعتمد علي خواص التوتر السطحي للماء كي يبقى طافياً.
كيف يتحرك، هذه مسألة مختلفة، فلسنوات تجادل العلماء حول أن حشرات راكب الماء تدفع أنفسها بإنشاء أمواج على السطح التي تقوم بدورها بإنشاء عزم في عكس الاتجاه. وطبقاً لقانون نيوتن الثالث أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، فإنها تقوم بدفعها إلى الأمام، وهذه الفكرة صحيحة بالنسبة لحشرات راكب الماء الكبيرة. ولتوليد أمواج مناسبة فإنه يجب أن تتحرك ساق الحشرة أسرع من حوالي 25 سم في الثانية، وهو الحد الأدنى لسرعة موجة السطح، وتجاوز هذه السرعة ليس بمشكلة بالنسبة لحشرات راكب الماء ذات الأرجل الطويلة، ولكن لو كانت هذه هي القصة الكاملة لكانت إذا صغار راكب الماء ذات الأرجل الأقصر غير قادرة على الحركة إطلاقاً علي سطح الماء، وعلى الرغم من ذلك فإنها تنزلق على السطح بنفس سهولة الحشرات الكبيرة.
هذا اللغز والمعروف باسم «تناقض ديني» وهو أول عالم يلاحظ هذه الظاهرة، قد حيرت الباحثين لمدة عقد تقريباً. ويعتقد دكتور بوش وزملاؤه أنهم قد وجدوا الإجابة، فكما يشرحون في بحث قاموا بنشره في مجلة الطبيعة Nature أن راكب الماء نموذجياً يقوم بضرب الماء بواسطة أرجله الوسطى مرتين كل ثانية، وقد أظهرت الصور الواضحة التي تم التقاطها بواسطة كاميرات الفيديو، أن كل ضربة تنتج زوجاً من الدوامات تحت سطح الماء، وهذه الدوامات التي تتحرك إلى الخلف في أعقاب الحشرة، هي المسؤولة عن دفع راكبي الماء الكبار والصغار معا إلى الأمام. وكمثيلته فإن راكب الماء الآلي يعتمد أساساً علي الدوامات كقوة دافعة، على الرغم من أنه يخلق في أعقابه كلا من الدوامات وموجات السطح.
يقول الباحثون إن سرعته يمكن أن تصل إلى 30 سم في الثانية، وهذا ليس بسيئ، على الرغم من أن راكب الماء الحقيقي ذروة سرعته قد تصل إلى حوالي متر واحد في الثانية، وراكب الماء الآلي يرضخ ويتحرك برشاقة أقل عن نظيره الطبيعي.